رامبو المفاوضات يعود بسيناريو إسرائيليّ

في العام 1988، توجه الممثل الاميركي سيلفستر ستالون الى تل ابيب واماكن اخرى لتصوير الجزء الثلث من سلسلة افلام “رامبو” الشهيرة. اليوم، وبعد 34 عاماً على انجاز الفيلم الشهير، ها هو ممثل اميركي آخر يأتي من بوابة اسرائيليّة انما بلباس دبلوماسي وهو الشخصيّة التي توافق عليها لبنان والمسؤولون الاسرائيليون ليكون “صلة الوصل” بينهما مع الامم المتحدة، عنينا به آموس هوكشتاين. حين جال هذا المبعوث بين بيروت وتل ابيب لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، لم يستطع تحريك المياه الراكدة، ولو انه استطاع ترك بعض المواد الخلافيّة تبرز لتجد طريقها الى التفاعل، وليكون الامر بمثابة “جس نبض” لما يمكن ان تكون عليه الامور في حال تقرر تسريع الخطوات.

لا يمكن لأحد أن يصدق ان الخطوة الاسرائيليّة باستقدام سفينة “اينرجين باور” إلى حقل كاريش، كانت بنت ساعتها وأنها خرجت من رحم التفكير بالمصالح الاسرائيليّة فقط لا غير، اذ يبدو واضحاً أن القرار متّخذ من قبل وكان ينتظر ساعة الصفر، لأنّ الأمور راوحت مكانها لفترة طويلة، ولأن لبنان تحديداً يمكنه أن يكون وبسهولة، “مقبرة” أي عمليّة تفاوض على أي موضوع يتم طرحه. تحركت اسرائيل ومعها باخرة التنقيب، وتحرك معها الاعلام الاسرائيلي الذي أوحى وكأن عملية التنقيب واستخراج الغاز والنفط باتت مسألة ساعات قليلة فقط، فيما الواقع يشير إلى أنه حتى ولو كانت الأمور تسير بسلاسة ومن دون اي معوقات، فإن العمل يحتاج إلى أشهر.

ولكن المفاجأة كانت في ردّة الفعل اللبنانيّة، وكان أقسى ما تم اتخاذه هو التحدث مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة لمنع التصعيد من جهة، واستعجال إرسال هوكشتاين إلى لبنان لإعادة إحياء المفاوضات من جهة أخرى، والأكثر غرابة هو تصعيد النواب “الشعبيون” إلى حدّ التلويح بالحرب وضرب اسرائيل، فيما حزب الله والقوى الداعمة له انتظرت وآثرت التريّث واعتماد الخطاب العقلاني.

انقلاب الادوار هذا، قلب مفاهيم كثيرة، وأدّى إلى استقراء عدم رغبة حقيقيّة في التصعيد والدخول في حرب على شاكلة ما شهدته المواجهة بين أوكرانيا وروسيا، مع التشديد على أن أحدًا في الداخل أو الخارج لا يرغب في اندلاعها، ولا قدرة له على إدارة مثل هذه “المصيبة” في الوقت الراهن، ليأتي كل التهويل والتهديد من باب الضغوط فقط.

من هنا، كان المخرج الأنسب لكل هذه المعضلة، عودة هوكشتاين بطلب لبناني، ليلعب دور “رامبو” المفاوضات ويلقي بدلوه في مسألة الترسيم، ويفرض الحصول على ردّ واضح وصريح من اللبنانيين، تحت ضغط السفينة “اينرجين”.

لذلك، لم يعد هناك من مهرب للمسؤولين اللبنانيين كي يعطوا الجواب الشافي، علماً أنه مهما كان هذا الجواب، فسيجد من يعارضه بشدّة في الداخل ويرحّب به بحرارة في الخارج.

انطلاقاً من هنا، تأتي عودة هوكشتاين على وقع استمرار المماطلة الاميركية في استجرار الغاز والنفط عبر الاردن وسوريا، على الرغم من كل التطمينات والتأكيدات التي اعطيت منذ نحو سنة على لسان المسؤولين الاميركيين، واذا ما تمّ تحويل السيناريو الى واقع، فإن الترسيم لن يتأخر ليبدأ، مقابل تسويات معيّنة على الصعد الاقتصاديّة والسّياسية حتماً، وسرعان ما سيتحول اللبنانيون من معارضين ورافضين، الى متسابقين لنيل المديح والثناء على إدخال لبنان في نادي الدول النفطيّة، واستثمارها بكل الطرق الممكنة والتعويل عليها لاغراق اللبنانيين في المزيد من الأوهام والكلام المعسول غير القابل للتنفيذ، حول رفاهية العيش وإعادة النهوض والتعافي وبناء مستقبل أكثر اشراقاً، مع تأكيد بمنع الهدر واستنزاف الأموال بطريقة عشوائية… مهما كان الثمن.

/النشرة/

اترك ردإلغاء الرد